كورونا وعلاقاتنا الاجتماعية الهشة
لم ينجح فيروس كورونا فقط في تهديد صحة الإنسان بفعل انتشاره السريع بين الناس في كل أنحاء العالم بل أصبح مهددًا للعلاقات الاجتماعية بين الناس، فمنذ انتشار هذه الجائحة منذ آذار/ مارس الماضي وفي كل لحظة يضعف النسيج المجتمعي، فالتباعد الاجتماعي مفروض لا مفر منه للتخفيف من سلسلة انتشار الوباء ولكن إلى أين ؟ وهل هناك حقاً تباعدًا اجتماعيًا في الواقع أم أنه مجرد زيف؟
كان التباعد الاجتماعي في بداية انتشار جائحة كورونا الذي ترافقت معه سلسلة إغلاقات على وجه التحديد في الضفة الغربية والقدس حقيقيًا وفعالًا وذلك بسبب خوف الناس من فيروس مجهول لم تظهر كل ملامحه، وأعداد الوفيات الكبيرة بسببه حول العالم ، فالتزم معظم الناس بالتعليمات والحجر الصحي ومع الوقت والاعتياد على الفيروس وفكرة التعايش معه وما أثارته الإغلاقات من موجة سخط لدى الناس بسبب تدهور أحوالهم الاقتصادية وحالة الملل من الحياة التي أصبح شكلها رتيبًا إلى حد كبير، اضطرت الحكومات إلى تخفيف القيود وحث المواطنين على التعايش مع الفيروس مع أخذ الاحتياطات الواجبة من ارتداء الكمامات والتباعد مترين على الأقل بين الناس ومنع الأفراح وبيوت العزاء والتجمعات، ولكن هل التزم المواطنون بذلك؟
أقلية فقط من التزمت والأغلبية لم ترتدِ الكمامات إلا في القدس بسبب فرض مخالفات وغرامات مالية على المواطنين، فكل من لا يرتدي الكمامة يدفع غرامة قدرها 500 شيقل، وهو في الوضع الراهن ليس بالمبلغ القليل، والكمامة أيضًا ليست مؤشرًا على الالتزام، فكثيرون ممن خالفوا ووضعوها على الذقن أو الفم دون الأنف، ومعظم الناس عادوا إلى روتين حياتهم الطبيعي، ولم تقتصر التجمعات فقط على أماكن العمل بل تعدتها في الأفراح التي سمحت الحكومة باستمرارها بعد إغلاقها في بداية الجائحة وذلك تبعًا لفكرة التعايش مع الكورونا، إلا أنها مؤخرًا منعت الأفراح بسبب أعداد الإصابات المرتفعة في القدس، ورغم ذلك لا زال هناك من يُخالف ممن يبحثون عن قاعات مُخالفة تسمح بإقامة حفلات الزفاف، وحتى بيوت العزاء رغم منعها إلا أنها قائمة حتى اللحظة.
ما تجدر الإشارة إليه إلى أن كل هذه الأحداث وضعت العلاقات الاجتماعية في حالة تذبذب كبير، ففي حين أن هناك مجموعة من الناس غير ملتزمة بأية تعليمات وتتحرك وتعيش حياتها بشكل طبيعي، هناك آخرون ملتزمون بسبب وجود كبار السن في بيوتهم وخوفًا عليهم من انتقال الفيروس إليهم، وفريق متذبذب أعداده كبيرة وقد نكون نحن من ضمنه، ذلك الفريق الذي يشدد في الاحتياطات متى أراد، ويخفف حيث أراد، إن أصابه الملل نسي كل الاحتياطات الواجبة لمنع فيروس كورونا وانتشاره وخرج للتسوق والتنزه دون أدنى اعتبارات، وفي بداية الجائحة كان يردد دائمًا إنها “مؤامرة”، هو ذاته الذي إذا حل العيد قطع أرحامه رغم تجوله المستمر مع عدم المبالاة، وعندما تأتيه دعوة فرح يلبيها بكل فخر واعتزاز، وهو ذاته الذي لم ير عائلته أو يصلهم منذ شهر رمضان المبارك رغم مشاركته في أمسيات رمضانية خاصة في بيته.
هذا الفريق الخطير قد يصاب بالفيروس ولا يعترف به ولا يتحدث لأحد عن أعراضه، ويخالط الناس دون أدنى اعتبار للخوف على صحتهم، فريق أناني لا يرى إلا ذاته، ولن يكترث إلا إذا فقد أحدًا من أحبابه.. وما أكثر أعداد هذا الفريق!.
فلماذا لا نتعايش مع المرض جميعا ؟ وما المشكلة في الالتزام بالكمامة مع رؤية أفراد عائلاتنا بشكل طبيعي والتخفيف من لقاء الغرباء؟ وما المشكلة في منع أنفسنا عن أماكن التجمعات؟ والاعتقاد بأن هذه المرحلة ستمر بالتزامنا وليس بتعنتنا واستهتارنا، ولنتذكر دائمًا أن واحدة من غرف العناية المكثفة قد نمكث بها يومًا أو يمكث عزيز علينا فيها بسبب استهتارنا، فنحن مقبلين على فصل الشتاء والدفء الذي نحتاجه لا يتحقق إلا مع العائلة، فلنحافظ على علاقاتنا الاجتماعية دون استهتار.
دعاء جيلاني